نجوى الصافي في صيف 1980 و نحن نقضي الصيف كعادتنا من كل صيف في أراضينا الزاعية التي تبعد عن مدينتنا ثلاث كيلو مترات تقريبا .. جاء عمي من المدينة و أخذ يناديني و يشير لي بها و هو يضحك و يقول :" لمين هاي " و أنا أقفز بفرح طفولي و أقول :إلي .. إلي ... و قضيت ذاك الصيف الممتع و أنا أسيرة هذه الرواية .. فعمي لم يسمح لي بقرائتها مباشرة بل كان هو من يقرأها لي فيحذف بعض المقاطع التي تتضمن " شي عيب " -كما كان يقول لي- و يتطوع بشرح بعض المفردات و المصطلحات التي كانت تستعصي على عقلي الصغير .. و يتوقف عن القراءة عند أحد المفاصل المشوقة في الرواية بقوله : " و سكتت شهرزاد عن الكلام المباح " بعدها لا تفلح كل امكانياتي في الإستعطاف و الإلحاح لجعله يستكمل و لو قليلا منها .. و أكثر من هذا فقد كان يستخدمها كورقة ضغط علي في اي أمر يطلبه مني أو ينهاني عنه ...و هكذا عشت اسيرتها طوال شهور الصيف حتى وصلنا فيها لصفحة " 191" بعدها حصل أن سافر ابي إلى اليمن و بعث يستقدمنا فسافرت مع أمي و أنا لم أكمل الرواية... و بعد سفرنا بسنة حدث أمر رهيب لعمي الغالي حيث كانت سوريا تمر بأحداث و مواجهات بين السلطة و الشعب و كان الأمن يعتقل الناس على الشبهة و زج عمي في السجن و فقد أثره و جائتنا أخبار أنه قد استشهد مع من استشهد في مجزرة سجن تدمر و ظل جدي يسأل عنه في السجون و في فروع المخابرات عشر سنين فلم يحصل منهم على أي جواب و أخر محاولة له كانت من ضابط كبير وصل اليه بعد ان دفع كل ثمن محصول الزيتون و اسوارتين لجدتي فما كان من هذا الضابط إلا أن قال له : هل ترى تلك الحاوية إلي بأخر الشارع .... روح لهناك بتلاقي عظام إبنك ... " و عندها كف جدي عن البحث عن ابنه و طلب العوض من رب العالمين بإبنه ..... و بعدها بعشر سنوات أفرج عن أحد المساجين من بلدة قريبة من مدينتنا فإذا به يأتي إلى بيت جدي و يقول له : إنك فلان يسلم عليك ... و العلامة التي تشير أنه على قيد الحياة ... أن له ابنة أخ اسمها نجوى و قد كان يقرأ لها رواية واإسلاماه و قد وصل معها إلى صفحة "191من الرواية .... هذه حكايتي مع رواية واإسلاماه الخالدة ... أما نهاية حكاية عمي الغالي فقد أفرج عنه النظام الأسدي المجرم بعد خمسة و عشرين سنة ..... ببراءة ... يعني أنه دفع 25سنة من عمره ثمن ذنب لم يرتكبه
|