يا نجمة الأمل المغشي بالألم=كوني دليلي في محلولك الظلم
في ليلة من ليالي القُرِّ حالكةٍ= صخَّابةٍ بصدى الأرياحِ والدَّيَمِ
دُجىً تتالى كأمواجِ المحيطِ بها=عقلي وقلبي وطرفي كلُّ ذاك عمي
أكادُ أرتابُ في نفسي فأٌنكرها=لولا مسيسيَ جسمي غيرَ مُتَّهمِ
في نفنفٍ هائلٍ جمٍّ مزالقُه=رهنُ الحياةِ به في زلَّةِ القدمِ
على طريق كحدِّ السَّيفِ مسلكُها=هولٌ، وحيْديَ عنها الموتُ من أمَمِ
=
فأشرقي وأنيري لي السبيل فما=لي غيرَ نوركِ من منجى ومعتصمِ
أنتِ الحياةُ، ولولا أنتِ ما أتسعتْ=مضايقُ العيشِ بين الهمِّ والسَّقمِ
تلوِّحين لمن ضاقت مذاهبُه=وأوشك اليأسُ يلقيه إلى الرَّجمِ
أنْ هذه نوبةٌ في الحالِ زائلةٌ=ودون بضعِ خُطىً ما رمتَه، فقُمِ
والوهنُ أمتنُ أسبابِ الحياة، له=آثارُه في سرور الناسِ والألمِ
=
يا ويحَ قلبي بجنبي لا هدوءَ له=يجيشُ بالهمِّ كالبركانِ بالحممِ
يئِنُّ من ثِقَلِ الآمالِ تَبهَظُهُ=إنَّ الهمومَ رسالاتٌ من الهِمَمِ
أرنو إلى (يعربٍ) والدَّهرُ يعرضُها=روايةَ البُؤسِ بعدَ العِزِّ والنَّعَمِ
تقاسمتها شعوبُ الغربِ، تدفعُها=إلى المهالِكِ سوقَ الشاءِ والنَّعَمِ
وأرمقُ (الدينَ) والأعداءُ توسِعُهُ=فتكاً يُضافُ إلى أدوائِهِ القُسُمُ
يُكادُ في دارِهِ ظُهرَ النَّهارِ على=مرأى العمائمِ من أهليهِ والحُمُمِ
=
وأَرجِعُ الطَّرفَ في (الأحقافِ)غارقةً=في الجهلِ فوضى بلا عدلٍ ولا نُظُمِ
تفنَّنتْ في ملاذِ العيشِ تاركةً=ما تقتضيه، فلم تُفطرْ ولم تَصُمِ
والخُلفُ محتكمٌ فيها يمزِّقُها=حتَّى يغادرَها لحماً على وضَمِ
كيف القرارُ على حالٍ يذوبُ لها=قلبُ الكريمِ ويجري دمعُهُ بدمِ
يا ليتَ شِعري أللعلياءِ من سببٍ=ألفيهِ يقذفني منها إلى القِمَمِ؟
=
شوقي إليها وعجزي عن تسلُّقِها=يُعذِّباني عذابَ الويلِ والضَّرمِ
والحُبُّ يُقصِرُ من خطوي وهل عرفتْ=معبودةُ الحُبّ مثلي عابداً صنمي
أوفى وأقومَ في هجر وفي صِلةٍ=منِّي بحفظِ عُهودِ الحُبِّ والذِّمَمِ ؟
بُليتُ فيه بخطبٍ لا عزاءَ له=إلا اللقاءُ بدارِ الخُلدٍ والسَّلَمِ
ولن يزالَ وطيسُ الحُبِّ في كبدي=يرمي بذي شررٍ كالقصرِ مُضطرِمِ
وما الحياةُ بلا حُبٍّ سوى جَفَفٍ=عن فطرةِ اللهِ أو ضربٌ من العدمِ
=
ويحَ الشَّبابِ وقد ندَّتْ أوائِلُهُ=والحوضُ دوني وإنِّي لا أزالُ ظمي
خمسٌ وعشرون لم أُدركْ بها غرضاً=مرَّتْ عليَّ مُرورَ الطَّيفِ في الحُلُمِ
يا ويلتاهُ أأبغي أن أسودَ إذا=ولَّى الشَّبابُ وما فيه من العَرَمِ ؟
هيهات هيهات إنَّ الشَّيبَ مجبنةٌ=تصُدُّ عمَّا يريدُ المجدُ من قُحَمِ
إنَّ الشَّبابَ بُراقُ المجدِ يركبُهُ=إليه كلُّ فتى شيحانَ مُعتزِمِ
=
فما وقوفُكَ مشدوهاً تردَّدُ ما=بين النُّكوصِ على الأعقابِ والقُدُمِ ؟
وقد بدا لك نورُ اللهِ مُتَّقِداً=يوم الوقوفِ أمامَ الواحِدِ الحَكَمِ
حيثُ الجموعُ خُشوعٌ يلجأون إلى=مولاهُمُ بدموعِ التَّوبِ والنَّدمِ
وشاهدتْ عيناكَ ذي البطحاءَ زاخرةً=بالذكرياتِ (لطه) سيِّدِ الأُمَمِ
فاجمعْ متاعَكَ واركبْ ظهرَ سابحةٍ=هولٍ تسيرُ بلا رحلٍ ولا لُجُمِ
تجري فتُبصرُ بالأشياءِ مُدبرةً=كأنَّ مُنهزِماً في إثرِ مُنهزِمِ
=
كأنَّما امتلأتْ بالغيظِ فانطلقتْ=تنفُّساً عن شُواظٍ منه محتدمِ
أنبتْ (ويخلُقُ ما لا تعلمون) بها=وغيرِها من بناتِ العلمِ من قِدَمِ
تطوي البلادَ كما مرَّ المؤرِّخُ في=لمحٍ - بمُختلِفِ الأعصارِ والأُمَمِ
حتى إذا وجدتْ عيناكَ نفسَكَ في=ربوع (طيبةَ) ذاتِ المنهلِ الشَّبِمِ
فيمِّمِ (المسجدَ الميمونَ) في أدبِ=بقلبِ مدَّكِرٍ في ثغرِ مُبتَسِمِ
=
واعمدْ إلى (الرَّوضَةِ) الغنَّا فحيِّ بها=خيرَ الخلائِقِ من عُربٍ ومن عجَمِ
قُلِ السَّلامُ على فخرِ الوجودِ، على=خيرِ النَّبيينَ، طهَ المُفرَدِ العلَمِ
واستجلِ سيرتَه قُدَّامَ روضتِهِ=ترَ الكمالَ بلا زيغٍ ولا وَهَمِ
هناك حيث يقوم الشَّوقُ في خجلٍ=لدى الجلالِ جلالِ المجدِ والكرمِ
تُبدي وَلوعَكَ؟ أم تُذري دُموعَكَ؟ أم=تهفو ضلوعُكَ للآياتِ والعِظَمِ ؟
وما تُبثُّ من الأشواقِ في حرمٍ=يُصابُ فيه بليغُ القولِ بالبَكمِ ؟
=
كان الرسولُ هنا يُملي هدايتَه=على الأنامِ بلا عيٍّ ولا لسَمِ
كان الرسولُ هنا يُلقي نصائِحَه=فيطربونَ لها أشجى من النَّغَمِ
وكان يقضي هنا بين الورى حَكَماً=أكرِمْ بأحمدَ من قاضٍ ومن حَكَمِ
وكان من ههنا يُزجي كتائِبَهُ=لنُصرةِ الدِّينِ من أصحابِهِ البُهَمِ
ويستشيرهُم في المُشكلاتِ به=وفيه يستقبلُ العافينَ بالنِّعَمِ
وفيه يلقى وفودَ النَّاسِ آتيةً=من كلِّ صوبٍ بثغرٍ منه مُبتسِمِ
ومنه يبعثُ بالذِّكرى رسائِلَهُ=ورُسْلَهُ لملوكِ العُربِ والعجَمِ
هنا ثوى رجلُ الدُّنيا وواحِدُها=هنا ثوى خير من يسعى على قدمِ
=
اختاره الله من نسل (الخليل) فمن=فرع (الذبيح) فمن (عدنان) ذي الكرمِ
فمن (كنانة) في العلياء من مضرٍ=فمن قريشٍ فمن (عمرو) الندى الهشمِ
فالأبيض الغرّة الميمون طالعه=فجامع الفضل (عبد الله) والشيمِ
عقدٌ من النسب العالي يفوق على=عقد من الدر والألماس منتظمِ
كأنما الخلق (روض) والرسول به=خلاصة العطر من أزهاره الفغمِ
جاءت به الدرة العصماء آمنة=فأشرق الكونُ من أنواره العممِ
واهتز أهل السموات العلا طرباً=بمنقذ الكون مما فيه من أثمِ
وغنّت الحور أصوات السرور على=مقاعد النور في قدسية النغمِ
وسبحت ربها الأعلى الملائك عن=شكرٍ وبشرٍ بماحي الظلم والظُلمِ
وأشرقت رُحبُ الجنّات وانفتحت=أبوابها، وتجلى الله بالرُّحُمِ
=
ما كان يعلم أن الله مرسله=يوماً لأمته، دع سائر الأممِ
لكن مولاه قد حلاه من صغرِ=بكلِّ عالٍ من الأخلاق والشّيمِ
فكان في قومه بدعاً يباينهم=فيما يجيئون من نكرٍ ومن كثمِ
وصانه الله عمّا هم عليه، فلم=يشرب ويلهُ، ولم يعكف على صنمِ
لم يعرف الكذب يوماً ما على أحدٍ=فكيف يعرفه عن بارئ النّسمِ ؟
=
رأت خديجة من أخلاقه عجباً=وهي الغنية ذات الرأي والفهمِ
فكاشفته هواها في تزوجه=فكان عرسهما من أبرك القِسمِ
إذ أصبحت خير عونٍ عند بعثته=لبثّ دعوته بالمال والخدمِ
وهدّأت روعه إذ جاءها فزعاً=من بدأة الوحي أن لا تخشّ من لممِ
فأنت أحملهم للكلّ، أعونهم=على النوائب، أحناهم على الرّحمِ
أعظم بها امرأةً أحيت أناملها=محمّداَ منقذ الدنيا من الغممِ
كذاك لن ينهض الإسلام من ضعةٍ=حتى نرى (غيده) ينهضن بالعلمِ
كيف النهوضُ وشقٌ من جوارحكم=عضوٌ أشّلُّ ، وشقُّ غير مُعتزم ؟
=
يلقى الأنام ببشرٍ غير مصطنعٍ=ولا يكلمُ شخصاً غير مبتسمٍ
يعفو ذنوب الورى في حقه كرماً=ويقبل العذرَ من جانٍ ومجترمِ
حتّى إذا انتهكت لله حرمته=رأيت غضبة ليثٍ هيج في الأجمِ
سِفرُ الشجاعةِ فصلٌ في شجاعته=إذا الجموع تلاقت والوطيس حمي
يبدو إذا وهت الأركان من جزعٍ=أقوى وأثبت أركاناً من الهرمِ
وربما انفض عنه جيشه فيرى=كأنه وحده جيشٌ من البُهَمِ
=
يعطي العفاة عطاءً غير منقطعٍ=بلا حسابٍ ولا منٍّ ولا برمِ
ويستميل وفود العُرب تقدُم من=شتّى النّواحي ببذل المال والنَّعمِ
يحنو على كل ذي بؤسٍ ومتربةٍ=لاسيّما بؤساء الأيم واليُتُمِ
يطوي الليالي جوعاً بعدما جُبيت=له الغنائمُ من نجدٍ ومن تِهمِ
ما عاب قط طعاماًَ قدّموه له=وما نعى قطّ تقصيراً على الخدمِ
إن شاء يأكله أو شاء يتركه=أكان مؤتدماً أم غير مؤتدمِ
=
وما تزوّج تسعاً كي يلذَّ بها=إذن لما اختار من يحبون للهرمِ
لكنه كان يرجو أن يتم به=نشرُ الهدايةِ في الأقوام باللدمِ
كما تزوّج من بعض ليكفلها=ومن تفز برسول الله لم تئمِ
يكون في صحبه فرداً كأصغرهم=شأناً ويمشي بلا صحبٍ ولا حشمِ
ويخصف النعل، يرفو الثّوبَ، يأخذ في=إعانة الأهلِ، يسعى في سرورهمِ
لا تعجبوا .. إنّ (طه) لم يكن ملكاً=بل مرسلٌ جاء بالآيات والحكمِ
=
وافى على فترةٍ والأرض واجفةٌ=ممّا بها من صنوف الكفر والجُرُمِ
تضجُّ بالظلم لا شرعٌ يقوم بها =من السّماء ولا من واضعٍ فقِمِ
أمّا (أوربا) فأهلوها برابرةٌ=مثل الوحوش على بغيٍ وسفك دمِ
و(الهند) و(الفرس) غرقى في إباحتها=و(الروم) من إحنٍ الأحزابِ في ضرمِ
في كل ركنٍ من الدنيا جبابرةٌ=يستبعدون رقاب النّاس كالغنمِ
في أمة القبط في شعب اليهود، كما=في الهند في الصين في الرومان في العجمِ
=
ساد الفساد وعمّ الشرُّ وانفجرت=براكنُ البغي والشّحناء والوغمِ
وحُرّفت كتب الرحمن وامتهنت=كرامة العدل والآداب والنّظمِ
وأصبح النّاسُ فوضى لا يسودهم=إلا الزعانف أهل البغي والعشمِ
وعُذّب النّاسُ باسم الدين واستلبت=أموالهم للقسوس الفُسّقِ الغشمِ
فكان من حكمة المولى ابتعاث فتىً=يهدي شعوب الورى للمنهج اللقمِ
يُتمُّ ما بدأ الرّسلُ الكرامُ به=من دين موجد هذا الكون من عدمِ
=
من منذُ أن كان يحبو (العقل) ثم مشى=على الجدار إلى أن سار بالقدمِ
والدين يوحى إليه ما يناسبه=في كل طورٍ ويزجيه إلى الأممِ
إلى أن اشتدّ زنداه مراهقةً=ثم استوى رشده في آخر الأممِ
حيث استعدّ لفهم الحقّ معتمداً=على الأدلة لا بالخرقِ للنظمِ
فالخارقات إذا قام الدليل بها=من قبلُ فهو بهذا العصر لم يقمِِ
فكان أصلحَ شخصٍ للقيام به=محمد العربيُّ الطّاهرُ الشِّيمِ
=
من أمةٍ ما قضى قسٌّ ولا ملكٌ=لها على خلقٍ حرٍّ ولا شممِ
أميةٌ ما حوت علماً سوى لغةٍ=شمّاءَ ما خضعت للطرسِ والقلمِ
فلم تزل تترقى في العصور إلى =أن أخرج الدهرُ منها أبدع النغمِ
فاختارها لغةَ القرآن منزله=والله أعلم بالأقدار والقيمِ
ذاك الكتاب الذي أحيى النبيُّ به=بقدرة الله أجيالاً من الرَّممِ
أقام من (يعرب) من بعد شقوتها=شعباً عزيزاً قوياً جدُّ ملتئمِ
=
قامت به دولة عظمى على أسسٍ=من الهدى والتُّقى والعدل والكرمِ
رعت - ولم يمضِ من تكوينها زمنٌ=كبرى الممالك بعد الشّاءِ والنَّعمِ
المعجز الخالد الباقي بجدّته=إذ معجزات سوى (المختار) لم تدمِ
العلم آيته، والعقل حُجّته=والعدلُ شرعته في كل محتكمِ
جاءت بلاغته لا كالبلاغة في=نظامها الجزلِ أو أسلوبها القصَمِ
كالرعد يقصفُ أو كالريح تعصفُ أو=كالبحر يرجف في أمواجه البُهُمِ
من ذا يعارضه جهلاً وقد رجعت=عن آيةٍ منه غلب القول بالبكمِ ؟
=
يقصُّ أخبار الذين مضوا=من قومِ نوحٍ ومن عادٍ ومن إرمِ
وقصّ أيام (إسرائيل) يفضح ما=قد دسه القوم فيها من فرى جُسُمِ
وآية الروم إذ جاءت بنصرهم=على العدو فلم تخطئ ولم تهمِ
وكم به من علوم الغيب ما وقفت=لها العقول على عينٍ ولا ندمِ
وكم جلا (العلم) في العصر الحديث له=عجائباً لم تبن يوماً لذي فهم
في الدين في الخلق في علم الطبيعة في=طبائع النفس في التاريخ في الحكم
=
يعلو الأماكنَ والأزمان متفقاً=مع الحضارات فيها غير مصطدم
يسُنُّ أرقى قوانين الحياة على=أتم ما يعرف الأمكان من نُظُمِ
صحّت كما صحّ مبناه روايته=عن الملايين من حفاظه النُّجمِ
فدع أقاصيص عن (عيسى) ملفقةً=كتبن في أعصرٍ شتّى على وهمِ
مكذباً بعضها بعضاً بلا أسس=من استقامة اسنادٍ ولا دِعم
إلا (أناجيل) روح الحقِّ عطّلها= لدى النّصارى فلم تُقبل ولم تُرمِ
=
وشاء ربك أن يبقى لحجّته = منهنّ (إنجيل برنابا) على القدمِ
مبشراً برسول الله يخبرنا =أن (ابن مريم) لم يُصلبْ ولم يُضمِ
الله أكبر هذي بعد معجزةً =لدين (أحمد) جاءت من ديارهمِ
كهذه فليكنّ المعجزات، فما =غناء كشفِ العمى والبرء للسَّقمِ ؟
هذا على أنّ (طه) قد أتيح له =منهنّ شئٌ كثيرٌ ليس بالأممِ
مثل العروج ونبع الماء من يده=وهزم جيشٍ برملٍ من يديه رُمي
والجذع إذ حنّ والإخبار عن غيبٍ=بموتهم ثمّ والتكثير للوثمِ
وغير ذلك مما جاء عن عرضٍ=لا للتحدّي، فشمس الحقّ لم تغمِ
صحّت أسانيدها لا كالتي رُويت=عن سائر الرّسل لم تثبت لمتهمِ
ولا سبيل إلى إثباتها بسوى=هذا (الكتاب) الكريم الشاهد الحكمِ
=
أتى بدينٍ قويمٍ غير ذي عوجٍ=متى يلجْ بابَه المعوّجُّ يستقمِ
يولي سعادتي الدارين تابعه=يعنى بتربية الأجساد والنّسمِ
يدعو إلى الخير مهما كان مصدره=كما يصد عن الفحشاء واللممِ
ويجعل العبدَ يدعو الله خالقه=بلا حجابٍ من الأحبار والنُّهمِ
يحل كلّ صنوف الطّيبات بلا=تجاوزٍ لحدود القصد للتخمِ
لم يشرع الحرب إلا في مدافعةٍ=عن دعوة الحق أو في كفِّ مهتضِمِ
=
وخصّص العربَ بالتضييق متخذاً=ديارها معقلاً للمسلمين حُمي
إذ لم يكن عندها دينٌ تلوذ به=في الخير والشّر والسّراء والنّقمِ
يدعو إلى العلم والأخلاقُ يرفعها=ويبذرُ العزّ في اتباعه الكُرمِ
لا يلتقي الذلُّ والإسلامُ في خلدٍ=أو يمكن الجمعُ بين الماء والضَّرم ؟
النّاسُ كلهم في حكمه شَرَعٌ=لا فضل فيه لمخدومٍ على خدمِ
ولا تفاضل في مالٍ ولا نسبٍ=وإنّما الفضلُ بالأعمال والهِممِ
=
يرى (الطهارة) من أسمى شعائره=لا يقبل الله نسك الأغبر الدّسِمِ
وفي (الصلاة) مناجاة تطهر من =نفس المصلي وتؤويها لدى البهم
وفي (الزكاة) دواءٌ لا مثيل له =لكشف ما حاق بالدنيا من الإزمِ
الأشتراكية المثلى تتم به =بلا كنود ولا حيف ولا وغمِ
أما (الصيّام) فترويض النفوس على =حمل الشدائد في صبرٍ بلا برمِ
وكم جلا الطبُّ من أسراره عجباً =يزيل ما عيّ عنه الطبُّ من سقمِ
و(الحج) مؤتمرٌ للمسلمين به =تنمو قواهم ليضحوا قادة الأممِ
وكم به من دروس جد نافعة =لو أنّ آذانهم خِلوٌ من الصّممِ
=
ساوى النساء حقوقاً بالرجال سوى =ما يقتضيه اختلاف الخلق والشيمِ
فكلف الرجل الأنثى: القيام بها =ولو غدا مالها كالوابل الرذمِ
يرى (أنوثتها) أرقى فضائلها =فلا تذل بأهوانٍ ولا تسمِ
تكون آمرة في البيت ناهية =تعنى بتربية الأولاد بالرُّحمِ
هذي وظيفتها الفطرية ارتسمت =في سُنّة الله قبل اللوح والقلمِ
تكون في مالها طلقاَ مخوّلة =حقّ التصرف في بيعٍ وفي سلمِ
=
فسل نساء فرنسا هل حصلن على =حقّ التصرف بعد (الثورة) العممِ ؟
أو هل تذكّر (أوربّا) زمان ترى =نساءها كمتاع البيت والعجمِ
ليالي ارتيب في الأنثى بها ألها =روحٌ ؟ وهل هي إنسانٌ كقومهمِ
=
وسنّ (للرّقّ) ما يقضي عليه على =مدى الزّمان مع التدريج والسّلمِ
حاط (الموالي) بالحسنى وعاملهم =كالمالكين مع التخفيف في الجُرُمِ
سنّ (الكتاب) لإطلاق الإسار كما =دعا ورغّب في الإعتاقِ للنَّسمِ
وسنّ في فكّ أسرى الحرب فديتهم =بالمال أو عتقهم بالمنّ والكرمِ
=
الله أكبر هل في الشّمس طالعةً =شكٌ وهل بعد رأي العين من وهمِ ؟
فتى يتيمٌ فقيرٌ في البداوة ما =جالت يداه على سفر ولا قلمِ
قضى شبيبته في الصالحات ولم =يبغِ الرياسة يوماً ما ولم يرمِ
حتى إذا جا بسنِّ الأربعين أتى =بمعجزٍ زاخرٍ بالعلم والحكمِ
أتى بما لم يدُر يوماً على خلدٍ =من فيلسوفٍ ولا حبرٍ ولا حكمِ
وكيف يسبق ما لم يأتِ بعدُ سوى =ربُّ الزّمانِ إله الكونِ ذي القِدم ؟
=
و(محنة الإفك) برهانٌ يدل على =صدقِ النّبيِّ وينفي سائر التهمِ
لله فيها - وطه في تبلبله =من هولها - حكمةٌ تسمو على الفَهَمِ
لو كان من قلبه هذا الكتابُ لما =قضى زماناً طويلاً وهو في غُممِ
يعذّبُ الشكُّ قلباً منه ممتلئاً =بالحبِّ والطُّهر مغياراً على الحُرَمِ
فلا يبتُّ بأمرٍ فيه وهو على =مثل الأسنّة لم يبرئ ولم يُصمِ
والمسلمون بحالٍ لا شبيه له =من التحيُّرِ والإشفاقِ والألمِ
حتى أتى الوحيُ بالآياتِ معلنةً =براءة الطُّهر ذات القدسِ والعصمِ
=
زوجِ النّبيِّ ابنة الصّديقِ صاحِبه =خير الورى بعد خيرِ الخلقِ كلهمِ
فأشرقت أوجه الأصحاب من فرحٍ =وجللتْ أوجه الأعداءِ بالسّخمِ
منافقون يراءون النّبيَّ ولا =يألون يمنونه بالسُّمِّ في الدّسمِ
يدري النّبيُّ بهم والمسلمون ولا =يقضي عليهم وهم أعدى عدوّهمِ
أن لا يقال: ابن عبد الله يقتل في =( أصحابه ) وهو أوفى الخلق بالذممِ
ولو أراد لأفناهم بما اجترحوا=فهم أذلّ من الجعلان والحَلَمِ
أبعد هذا يماري في نبوّته=إلا أصمُّ عن الحقّ المنير عمي ؟
=
روحٌ من الله أوحاه إلى رجلٍ=لا كالرجال بغير الفضل لم يهمِ
ما كان مشتهراً بالشعر مفتخراً=باللسن مثل بني آبائه اللُّزمِ
ولم يكن ملكاً لكنه بشرٌ=فاق الملائك بالأخلاق والعظمِ
العصمة الحقُّ من أدنى مناقبه=إذ كان من خلقه العلوي في عصمِ
ويستحيل وقوع السّحر فيه كما=روى الرواةُ بلا نقدٍ ولا فهمِ
دُسّت عليهم فراحوا يلهجون بها=والله يغفر عنهم زلة القدمِ
وكم لأعداء دين الله من بدعٍ=قد ألصقوها به ثأراً لملكهمِ
سمومها انتشرت في المسلمين فما=قاموا لأجنبَ للأوطانِ ملتهمِ
=
أقسمتُ باسمِكَ يا أعلى الورى شرفاً=لو جازَ تقديسُ غيرِ اللهِ بالقَسَمِ
لقد غدت أمَّةُ الإسلامِ واهلةً=منها القلوبُ فأضحتْ قصعةَ الأُمَمِ
لم يبقَ فيها من الإسلام وا أسفا=إلا اسمُه وبها معناهُ لم يقُمِ
قامت حجاباً كثيفاً دون دعوتِهِ=بما إليه سقوطُ المسلمين نُمي
حاكتكَ في صورِ الأعمالِ تتبعُها=وما اقتدتْ بك في عزمٍ ولا هِمَمِ
ولا كمالٍ ولا صدقٍ ولا خُلُقٍ=ولا اجتهادٍ ولا عزٍّ ولا شَمَمِ
=
ولا تقومُ إلى القرآنِ تقرؤُهُ=إلا أماليَ بالألحانِ والرَّنَمِ
كأنَّما أُنزلتْ آيُ الكتابِ لكي=تُتْلى على شُربِ راحٍ أو على رَجَمِ
تبدَّلوا منه كُتْباً لا حياةَ بها=كأنَّما عكفوا منها على صنمِ
تحكي نواويسَ موتى صُبِّرتْ زمناً=فلا تُرى بين أجسامٍِ بغيرِ دمِ
عدُّوا المشايخَ أرباباً بعدِّهمُ=أقوالَهم كنصوصِ الواحِدِ الحَكَمِ
وآخرون أصاروا الغربَ قبلتَهم=فهم بها خيرُ طوَّافٍ ومُستلِمِ
=
رأوا (أوربَّا) فراحوا يكفُرون، على=جهلٍ، بدينِهِمُ الموروثِ والشِّيَمِ
وأنكروا مجدَ آباءٍ لهم شهدتْ=لها فحولُ رجالِ الغربِ بالقِدَمِ
وما لذلك غير الضعفِ من سبب=فالضعفُ أصلُ جميعِ البؤسِ والنقمِ
=
يا ربِّ رحماكَ إنَّ الغربَ مُنتبهٌ=والشَّرقُ مُشتغِلٌ بالنَّومِ والسَّأمِ
والعُربُ في غفلةٍ عمَّا يُهدِّدُها=لم تعتبرْ بليالي بؤسِها الدُّهُمِ
يا ويحها تتعادى، والعدوُّ على=أبوابِها يرقُبُ الأحداثَ عن كَثَمِ
والوقتُ أضيقُ، والأحداثُ في عجلٍ=تبني وتهدمُ، والآفاتُ كالدِّيَمِ
إنِّي السَّعيدُ إذا ماأمَّتي سَعِدَتْ=حالاً، وفي ذُلِّها ذُلِّي ومُهتَضَمِي
إذا أملتُ ففي آمالِها أملي=وإنْ ألمتُ فمِن آلامِها ألمي
=
يا ربِّ يا صاحبَ العرشِ العظيمِ ومَنْ=تُحيي الإرادةُ منه دارسَ الرِّمَمِ
بما بعثتَ به خيرَ الأنامِ أجِرْ=يا ربِّ أمَّتَهُ من قُصمةِ القُصَمِ
ولقِّها منك روحاً لا يغادرُها=إلا وقد نهضَتْ منشورةَ العلَمِ
تُطهِّرُ الكونَ مما فيه من رِجسٍ=ومن فُسوقٍ ومن ظلمٍ ومن إزَمِ
فلا دواء له ممَّا يُكابِدُهُ=إلا هدايةُ خير الخلقِ كُلِّهِمِ
واملأ فؤاديَ نوراً من هدايتِهِ=واجعلْ عزائمَهُ ممزوجةً بدمي
=
وأقدُرْ لي َ الخيرَ وارزقني شفاعتَهُ=في يومِ يؤخذُ بالأنفاسِ والكَظَمِ
وبُلَّ من حوضِهِ حلقي، إذا اتَّقدتْ=نارُ الأُوامِ وكلُّ العالمين ظمي
واغفرْ ذنوبَ أبي فضلاً ووالدتي=وزوجتي وذوي قُربايَ والرَّحِمِ
وصلِّ أزكى صلاةٍ منك دائمةٍ=على الرسولِ رسولِ الرحمةِ القُثُمِ
وانشرْ رضاك على الصِّدِّيقِ صاحِبِهِ=في الغارِ، ذي البرِّ والإشفاقِ والرحمِ
ربِّ المواقِفِ في عصرِ النَّبيِّ وفي=وفاتهِ، وحيالَ (الرِّدَّةِ) العَمَمِ
=
ثمَّ أرضَ عن عمرَ الفاروقِ أولِ مَنْ=صلَّى برغمِ أُنوفِ القومِ في الحرمِ
مُقوِّضِ الفُرسِ والرُّومانَ شائِده=مُلكاً يطولُ على الأقمارِ والنُّجُمِ
وأرضِ عثمانَ ذا النورينِ أخشعَ منْ=تلا الكتابَ بدمعٍ منه منسجِمِ
مُجهِّزِ الجيشِ إرضاءً لخالقِهِ=في عُسرِةِ الجيشِ بالإبريزِ والقُضُمِ
وعن عليٍّ أبي الريحانتين، أخي=خيرِ الورى، بطلِ الأبطالِ، قُطبِهُمِ
سيفِ النبيِّ وفاديهِ بمُهجتِهِ=إمامِ كلِّ صدوقٍ في اللقاءِ كمي
=
ثم السَّلامُ على (طه) وعِترتِهِ=وآلهِ قُرناءِ الذِّكرِ في الحرمِ
على البتول على الكبرى على حسَنٍََ=على حُسين على أزواجِهِ العُصُمِ
واختم بمسكِ تحيَّاتٍ يفوحُ على=محمدٍ خيرِ مبدوءٍ ومُختَتَمِ
ما أومضَ البرقُ في الظلماءِ مِن إضَمٍ=وما عطا الريمُ بين البانِ والعلَمِ